لا اله الا الله محمد رسول الله
مرحبا بكم عزيزي الزائر في منتديات ريتاج الكعبة
يشرفناا ان تقوم بالتسجيل معنا اذا رغبت بالمشاركة في المنتدى
اما إذا كنت عضوا بالمنتدى فقم بتسجيل دخولك أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

لا اله الا الله محمد رسول الله
مرحبا بكم عزيزي الزائر في منتديات ريتاج الكعبة
يشرفناا ان تقوم بالتسجيل معنا اذا رغبت بالمشاركة في المنتدى
اما إذا كنت عضوا بالمنتدى فقم بتسجيل دخولك أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
لا اله الا الله محمد رسول الله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

السيرة النبوية2

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

السيرة النبوية2 Empty السيرة النبوية2

مُساهمة من طرف siham nana الجمعة يناير 04, 2013 5:56 pm

عام الحزن



فرضت "قريش" حصارًا شديدًا على "بني هاشم" و"بني المطلب" ممن يقفون مع النبي – صلى الله عليه وسلم- سواء من أسلم منهم أو لم يسلم ، وقررت ألا تتعامل مع عشيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – بالبيع أو الشراء أو الزواج، وكل صور التعاون التي لا تسير الحياة إلا بها .
واستمر هذا الحصار الرهيب ثلاث سنوات ، عانى منه النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن معه أشد المعاناة حتى أكل الصحابة ورق الشجر، ثم قضى الله- تعالى- أن ينفك هذا الحصار غير الإنساني بفضل بعض رجال قريش من ذوي النخوة والمروءة .

استأنف النبي – صلى الله عليه وسلم – دعوته بعد انتهاء المقاطعة ، وبدأ في تبليغ الإسلام إلى كل من يأمل فيه خيرًا ، وفى أثناء تلك الفترة فقد النبي – صلى الله عليه وسلم - عمه "أبا طالب" ، الذي كان له نعم العون والنصير، حيث وقف إلى جواره عشر سنوات يدافع عنه ويحميه ، ويرد عنه أذى المشركين ، كل ذلك وهو على دينه لم يدخل في الإسلام ، فشعر النبي – صلى الله عليه وسلم- بالحزن الشديد ، وما كاد النبي يتخلص من الحزن والألم

ويتعزى بالصبر، حتى ماتت زوجته أم المؤمنين "خديجة بنت خويلد" التي آمنت به ونصرته ، وأيدته بكل ما تملك .. وكان المصاب شديدًا على النبي ـ صلى الله وعليه وسلم ـ ، حيث فقد في عام واحد - العام العاشر من البعثة - اثنين من أشد المعاونين له والمناصرين لدعوته .
وظل النبي – صلى الله عليه وسلم – على إيمانه وثباته رغم وفاة عمه وزوجته، وواصل نشاطه في تبليغ رسالته واثقًا بنصر الله ، فرغب في نشر الدعوة خارج "مكة " لعله يجد نصيرًا له ومؤيدًا ، خاصة بعد ما لاقى من المشركين في "مكة" من العذاب والإيذاء ، فقرر الذهاب إلى "الطائف" لعرض الإسلام على "ثقيف" لعلها تؤمن بدعوته ، أو يؤمن بعض أهلها بما يدعو إليه .

لكن النبي – صلى الله عليه وسلم- لم يجد ما كان يأمله هناك ، فقد وجدهم أكثر عنادًا من "قريش" ، فرفضوا دعوته التي عرضها عليهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، ولم يتوقفوا عند ذلك ، بل سبوه وأهانوه ، وسلطوا عليه السفهاء والصبيان ، فضربوه بالحجارة حتى دميت قدماه الشريفتان ، وكان وقع ذلك شديدًا على النبي – صلى الله عليه وسلم- وما كاد يلتقط أنفاسه ، ويبتعد عن الطائف حتى لجأ إلى الله بالدعاء في حرارة قائلاً :

"اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمنى، أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يك بك علىَّ غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل على سخطك ، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك".
وبعد أن انتهى الرسول – صلى الله عليه وسلم- من دعائه نزل إليه "جبريل" – عليه السلام- ومعه ملك الجبال الذي قال له : إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين (وهما جبلان في مكة) – فعلت .

لكن النبي – صلى الله عليه وسلم- رفض ذلك ، وقال: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا" . ودعا لهم قائلاً: " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون " .

وعاد النبي – صلى الله عليه وسلم- إلى "مكة" حزينًا لما لاقاه من أهل "الطائف"، وكان يرجو لهم الخير، ويود لو أنهم أسلموا ، حتى ينقذوا أنفسهم من الشرك ومن العذاب في الآخرة، لكنهم أصروا على كفرهم ، وعدم سماع كلمة الحق .

الاسراء والمعراج

يحيى بن موسى الزهراني



الحمد لله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ، الحمد لله الذي بين لعباده طريق الهدى ، وحذرهم من سبل الضلال والغوا ، وأصلي وأسلم على نبي الرحمة والهدى الذي أرشد أمته لطريق الحق والرضى ، وحذرهم من اتباع الشيطان والهوى ، فصلوات ربي وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه أهل الخير والتقى . . أما بعد :




فالإسراء والمعراج من معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي أعجزت أعداء الله في كل وقت وكل حين وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى متى كانا :
فقيل أنها ليلة الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول ولم تعين السنة ، وقيل أنها قبل الهجرة بسنة ، فتكون في ربيع الأول ، ولم تعين الليلة ، وقيل قبل الهجرة بستة عشر شهراً ، فتكون في ذي القعدة ، وقيل قبل الهجرة بثلاث سنين ، وقيل بخمس ، وقيل : بست .
والذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة وقبل الهجرة.

واختلفوا ، هل كان الإسراء ببدنه عليه الصلاة السلام وروحه ، أم بروحه فقط ، والذي عليه أكثر العلماء أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لامناماً لان قريش أكبرته وأنكرته ، ولو كان مناماً لم تنكره لأنها لا تنكر المنامات ، قال تعالى : " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله " [ الإسراء 1 ] .
ذكر بن كثير في تفسيره لسورة الإسراء ، عند قوله تعالى : " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير " [ الإسراء 1 ] .
يمجد تعالى نفسه ، ويعظم شأنه لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه ، فلا إله غيره ولا رب سواه (( الذي أسرى بعبده )) يعني محمداً صلى الله عليه وسلم (( ليلاً )) أي من الليل (( من المسجد الحرام )) وهو مسجد مكة (( إلى المسجد الأقصى )) وهو بيت المقدس الذي بالقدس مصدق الأنبياء من لدن إبراهيم عليه السلام ، ولهذا جُمعوا له هناك فأمهم في محلتهم ودارهم ، فدل على أنه هو الإمام الأعظم والرئيس المقدم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين . وقوله (( الذي باركنا حوله )) أي في الزروع والثمار (( لنريه )) أي محمداً (( من آياتنا )) أي العظام ، كما قال تعالى : (( لقد رأى من آيات ربه الكبرى )) ] .

وماذا حدث في الإسراء والمعراج :
ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه حديث المعراج ، قال : حدثنا هُدبة بن خالد حدثنا همام بن يحيى حدثنا قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم ليلة أسري به قال : { بينما أنا في الحطيم ـ وربما قال في الحجر ـ مضطجعاً ، إذ أتاني آت فقدَّ ـ قال : وسمعته يقول : فشقَّ ـ ما بين هذه إلى هذه } فقلت للجارود وهو إلى جنبي ما بعيني به ؟ قال : من ثغرة نحره إلى شعرته ـ وسمعته يقول من قصته إلى شعرته ـ (( فاستخرج قلبي ، ثم أُتيت بطست من ذهب مملوءَ ة إيماناً ، ففُل قلبي ، ثم حُشي ثم أُعيد ، ثم أُتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض )) فقال الجارود : هو البُراق يا أبا حمزة ؟ قال أنس : نعم ـ يضع خطوة عند أقصى طرْفه ، فحملت عليه ، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد .قيل : وقد أرسل إليه قال : نعم . قيل مرحباً به ، فنعم المجيء جاء ففتح : فلما خلصت فإذا فيها آدم ، فقال هذا أبوك آدم ، فسلم عليه . فسلمت عليه ، فرد السلام ، ثم قال : مرحباً بالإبن الصالح والنبي الصالح . ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء . ففتح . فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة ، قال : هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما ، فسلمت ، فردا ، ثم قالا : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد إلى السماء الثالثة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء . ففتح . فلما خلصت إذا يوسف ، قال : هذا يوسف فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد إلى السماء الرابعة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء . ففتح . فلما خلصت فإذا إدريس ، قال : هذا إدريس فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد صلى الله عليه وسلم . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء . ففتح . فلما خلصت فإذا هارون ، قال : هذا هارون فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال ، مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء . ففتح . فلما خلصت فإذا موسى ، قال : هذا موسى فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال ، مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . فلما تجاوزت بكى ، قيل له ما يبكيك ؟ قال : أبكي لأن غلاماً بُعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي . ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء . ففتح . فلما خلصت فإذا إبراهيم ، قال : هذا إبراهيم فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد ثم قال ، مرحباً بالإبن الصالح والنبي الصالح . ثم رفعت لي سدرة المنتهى . فإذا نبقها مثل قلال هَجَر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، قال : هذه سدرة المنتهى ، وإذا أربعة أنهار : نهران بأطنان ، ونهران ظاهران ، فقلت : ما هذان يا جبريل ؟ قال : أما الباطنان فنهران في الجنة ، وأما الظاهران ، فالنيل والفرات . ثم رُفع لي البيت المعمور . ثم أُتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل ، فأخذت اللبن ، فقال : هي الفطرة التي أُتيت عليها وأمتك . ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم . فرجعت فمررت على موسى ، فقال : بما أمرت ؟ قال : أمرت بخمسين صلاة كل يوم ، قال : إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم ، وإني والله قد جربت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فرجعت ، فوضع عني عشراً ، فرجعت إلى موسى ، فقال مثله . فرجعت فوضع عنى عشراً ، فرجعت إلى موسى ، فقال مثله . فرجعت فوضع عنى عشراً ، فرجعت إلى موسى ، فقال مثله . فرجعت فوضع عنى عشراً ، فرجعت إلى موسى فقال مثله . فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم ، فرجعت فقال مثله . فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم ، فرجعت إلى موسى فقال : بما أمرت ؟ قلت : بخمس صلوات كل يوم . قال : إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم ، وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة . فأرجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك . قال : سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم . قال : فلما جاوزت ناداني منادٍ : أمضيت فريضتي ، وخففت عن عبادي ))

هل نحتفل :
كان ذلك هو حديث الإسراء والمعراج ، وكان قبل الهجرة وبعد البعثة النبوية للنبي صلى الله عليه وسلم ، ومن قبل الهجرة إلى وفاته صلى الله عليه وسلم لم يحتفل مطلقاً بليلة الإسراء والمعراج ولم يأمر به من بعده من الخلفاء ، بل ولم يحتفل الخلفاء الراشدون وممن بعدهم بتلك الليلة وهم خير القرون على الإطلاق ـ فلا إله إلا الله ـ كيف ابتدع الناس اليوم بدعة عجيبة في دين الله ؟ كيف سمح أناس لأنفسهم بأن يشرَّعوا في دين الله ما لم يأذن به الله ؟ فتحوا على المسلمين أبواباً للشر كانت مغلقة فهم كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن من الناس مفاتيح للخير ، مغاليق للشر ، وإن من الناس مفاتيح للشر ، مغاليق للخير ، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه ، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه " [ السلسة الصحيحة ] .

فمن شرع للناس زيادة في الدين ، أو سن لهم سنة سيئة أو دعاهم إلى ضلالة فهو آثم وله الويل والثبور ، وعليه وزر هذه الضلالة والبدعة إلى يوم القيامة ويحمل من خطايا أولئك الناس الذين دعاهم وأضلهم إلى تلك الضلالات والخرافات والإحتفالات الوهمية التي لا يقرها دين ولا عقل . والليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج ، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها في شهر معين ، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً وكل ما ورد في تعيينها غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولله الحكمة البالغة في أن ينسي الناس هذه الليلة . ثم لو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات ، ولم يجزلهم أن يحتفلوا بها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها ولم يخصوها بشيء ولو كان الاحتفال بها أمراً مشروعاً لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة ، إما بالقول وإما بالفعل وإما بالإقرار ، ولو وقع شئ من ذلك لعرف واشتهر ، ولنقله الصحابة رضى الله عنهم إلينا ، فقد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كل شئ تحتاجه الأمة ولم يفرطوا في شئ من الدين ، بل هم السابقون إلى كل خير فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعاً لكانوا أسبق الناس إليه ، والنبي صلى الله عليه وسلم أنصح الناس ، وقد بلغ البلاغ المبين ، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ، ويباعد من النار إلا بينه للأمة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم " [ مسلم ] ، وقال تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر وذكر الله كثيراً " [ الأحزاب 21 ] ، وقال تعالى : " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم " [ التوبة 100 ] .

وقال صلى الله عليه وسلم : " إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين " . فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الله لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتمه ، فلما لم يقع شئ من ذلك ، عُلم أن الاحتفال بهذه الليلة ـ ليلة الإسراء والمعراج ـ وتعظيمها ليس من الإسلام في شئ ، بل هي بدعة منكرة محدثة في دين الله عز وجل ما أنزل الله بها من سلطان ، ولم يأذن بها الله تعالى ، فقد أكمل الله تعالى الدين وأتم النعمة على عباده : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً " [ المائدة 3 ] ، وقال تعالى : " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم " [ الشورى 21 ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " [ متفق عليه ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " [ أخرجه مسلم ] ، وفي صحيح مسلم ، قال صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة : " أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة " ، وزاد النسائي بسند جيد : " وكل ضلالة في النار " . وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودع ، فأوصنا : " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإن تأمر عليكم عبد ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " [ أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة بسند صحيح ] .
فلقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه والسلف الصالح التحذير من البدع ، والترهيب منها ، وذلك لأنها زيادة في دين الله عز وجل ، وفي البدع تشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم وابتداعهم في دينهم زيادة لم يأذن بها الله ، ففي ذلك من الفساد العظيم والمنكر الشنيع ما لا يعلم إلا به الله .
وفي تلك البدع والاحتفالات مصادمة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .

أسأل الله أن يوفق جميع المسلمين لما فيه الخير والسداد ، وأن يتمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن يقينا جميعاً البدع الظاهرة والباطنة وسوء الفتن ، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان ، وأن يوفقهم لما يحب ويرضى ، وأن يأخذ بنواصيهم للبر والتقوى وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين أنه سميع مجيب ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .

صيد الفوائدالقرار الرابع: استخدام قصاصي الأثر لمحاولة تتبع آثار الأقدام في كل الطرق الخارجة من مكّة.









لا تحزن إن الله معنا

وسبحان الله! مع كل طرق التأمين التي اتبعها رسول الله والصّدّيق ، ومع كون الخطة بارعة جدَّا ومحكمة جدًّا، إلا أنه كما ذكرنا من قبل: ليس طابع الخطط البشرية أن تصل إلى حد الكمال، لا بد من ثغرات، اكتشف القصاصون الطريق الذي سار فيه الرسول وصاحبه، ووصلوا إلى الجبل الصعب الذي به غار ثور، وصعدوا الجبل، ووصلوا إلى باب غار ثور.

لم يبقَ إلا أن ينظروا فقط إلى داخل الغار، والغار صغير جدًّا.

الرسول يجلس في داخل الغار في سكينه تامة، وكأنه يجلس في بيته، والصّدّيق في أشد حالات قلقه واضطرابه، يقول الصّدّيق : يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ طَأْطَأَ بَصَرَهُ رَآنَا. قال الرسول في يقين: "اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيِنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا".

الله، الله! لو استشعر الدعاة إلى الله هذه المعية لهانت عليهم كل الشدائد، وكل المصاعب، وكل الآلام، بل لهانت عليهم الدنيا بأسرها، لكن الصّدّيق لم يكن خائفًا على نفسه، لم يكن قلقًا على حياته، ليس الصّدّيق الذي يفعل ذلك، لا قبل ذلك ولا بعد ذلك، إنما كان يخاف على رسول الله ، بل إنه في رواية يقول: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ قُتِلْتُ أَنَا فَإِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ قُتِلْتَ أَنْتَ هَلَكَتِ الأُمَّةُ.

ماذا فعل المشركون وهم على باب غار ثور، بعد أن قطعوا هذا المشوار الطويل الصعب، وقد انتهت آثار الأقدام أمام فتحة باب الغار؟!

إن الله قد ألقى في روعهم ألاّ ينظروا إلى داخل الغار، مع أن هذه النظرة لن تأخذ أكثر من دقيقة واحدة وربما ثوانٍ أو أقل، ولا شك أنهم قد أخذوا ساعات طويلة حتى يصلوا إلى هذا المكان، لكن هذا فعل الله .

روى الإمام أحمد والطبراني وعبد الرازق والخطيب أن عنكبوتًا قد نسج خيطًا كثيفًا حول الباب، وهذه معجزة ظاهرة، فقال الكفار: لو دخل ها هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه.

وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا من كل طرقه، إلا أن كثرة طرقه يقوِّي بعضها بعضًا فترفعه إلى درجة الحديث الحسن، أما قصة الحمامتين وقصة الشجرة التي نبتت على باب الغار فهي قصص ضعيفة جدًّا لا تصحّ، وأنا أرى أنه حتى لو لم تصح قصة نسج العنكبوت فهذا إعجاز أيضًا من رب العالمين، إذ كيف لا ينظر الناس في داخل الغار مع كونه مفتوحًا، فسواء نسجت العنكبوت خيوطها أو لم تنسج فهذا دفاع من رب العالمين، والنتيجة واحدة: نجاة الرسول وصاحبه الصِّدِّيق من هذه المطاردة المكثفة.

مكث الرسول في الغار ثلاثة أيام كما كان مقررًا في الخطة المرسومة، وقام كل من عبد الله بن أبي بكر، وعامر بن فهيرة، وأسماء بنت أبي بكر بدوره، وحان وقت الرحيل إلى المدينة، وجاء عبد الله بن أريقط الدليل بالناقتين في الوقت المتفق عليه، وجاء بناقة ثالثة له، وجاء معه أيضًا عامر بن فهيرة ليرافق الراكب المهاجر إلى المدينة، خرج الرسول من الغار ليلة غرة ربيع الأول من سنة 14 من النبوة، وإمعانًا في الاحتياط اتُّخِذَتْ بعض الإجراءات الأخرى:

أولاً: الخروج ليلاً من الغار.

ثانيًا: الإمعان في اتجاه ناحية اليمن.

ثالثًا: الاتجاه غربًا ناحية ساحل البحر الأحمر، ثم الاتجاه شمالاً في الطريق الوعر المتفق عليه سابقًا.

رابعًا: كانت هذه نقطة تأمينيّة من الصّدّيق لم يضعها رسول الله في الخطة المسبقة، ولكن استحدثها الصّدّيق لزيادة حماية الرسول ، وذلك أنه كان يسير أمام رسول الله تارة ثم يسير خلفه تارة، وهكذا طوال الطريق. ولما تنبه رسول الله إلى ذلك سأله عن ذلك، فقال الصّدّيق في حبٍّ عميق: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَذْكُرُ الطَّلَبَ (المطاردة) فَأَمْشِي خَلْفَكَ، ثُمَّ أَذْكُرُ الرَّصَدَ (الكمائن) فَأَمْشِي بَيْنَ يَدَيْكَ.

يتمنى أن لو جاء سهم أن يدخل في ظهره أو في صدره، ولا يمسّ رسول الله بسوء.











سُراقة بن مالك وسِوَارَا كسرى

وهكذا سارت القافلة المباركة من مكّة إلى المدينة، وعلى الجانب الآخر نشط الكفار في تحفيز أهل مكّة جميعًا للقبض على رسول الله وصاحبه، ونشط الانتهازيون، وأصحاب المصالح، والراغبون في الثراء السريع، وبحثوا في كل مكان، ولم يوفّقوا جميعًا إلا واحدًا، إنه سراقة بن مالك.

بعض الناس رأوا رسول الله أو هكذا ظنوا، فذكروا ذلك أمام سراقة فضللهم عنه ليفوز هو بمائة ناقة، ثم أمر بفرسه وسلاحه وخرج في إثر رسول الله وأصحابه، حتى رآهم من بعيد، واقترب منهم حتى كان يسمع قراءة رسول الله للقرآن، وكان رسول الله لا يلتفت كما يقول سراقة وكما جاء في البخاري، وأبو بكر يكثر الالتفات، ثم حدثت المعجزة بأن بدأت أقدام الفرس تسوخ في الأرض، مرة والثانية والثالثة، حتى أدرك سراقة أن القوم ممنوعون، فاقترب منهم وقد سألهم الأمان، وأخبرهم أن القوم قد جعلوا فيهم الدية، فقال له رسول الله : "أَخْفِ عَنَّا". ثم قال له قولاً عجيبًا، قال: "كَأَنِّي بِكَ يَا سُرَاقَةُ تَلْبَسُ سِوَارَيْ كِسْرَى".

فطلب سراقة من رسول الله أن يكتب له كتابًا بذلك، فأمر رسول الله عامر بن فهيرة أن يكتب له كتابًا ؛ فكتب له على رقعة من جلد، وعاد سراقة يبعد الناس عن طريق رسول الله ، ويقول لهم: قد كفيتكم هذا الطريق. فكان في أول اليوم جاهدًا في مطاردة الرسول ، وفي آخر اليوم مدافعًا عنه، وسبحان الله! {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} [المدَّثر: 31].

وسبحان الله! مرت الأيام، وأسلم سراقة بعد فتح مكّة وحنين، وفتحت بلاد فارس وجاءت الغنائم في عهد عمر بن الخطاب، وفيها سوارا كسرى، فأخرج سراقة كتاب رسول الله ، وأعطاه لعمر ، فأعطاه عمر سواري كسرى تنفيذًا لوعد رسول الله {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النَّجم: 3، 4].

لم يعكر صفو الرحلة بعد ذلك شيء إلى أن اقترب رسول الله من المدينة المنوّرة، ففوجئ برجل اسمه بُرَيْدَة بن الحصيب زعيم قبيلة أسلم، قد خرج له في سبعين من قومه يريد الإمساك برسول الله وأصحابه ليحصل على المكافأة الكبيرة، ولكن الرسول العظيم وقف يعرض عليه الإسلام في هدوء وسكينة، فوقعت كلمات الرحمن في قلب بريدة وأصحابه فآمنوا جميعًا في لحظة واحدة، وكانوا في أول اليوم من المشركين فأصبحوا في آخره من الصحابة، فانظر إلى عظيم فضل الله عليهم وعلى الدعوة، فقد كانت السنوات تمضي في مكّة حتى يؤمن عدد مثل هذا هناك، وها هو الآن هذا العدد يؤمن في لحظة.

المهم أنه في النهاية وصل رسول الله إلى المدينة المنوّرة سالمًا، وذلك في يوم 12 من ربيع الأول سنة 14 من النبوة، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة مهمة جدًّا في الدعوة الإسلاميّة في المدينة المنوّرة.

الالوكة + د















الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة









- الوضع في المدينة عند الهجرة:

تمثل الهجرة تحولا ضخما لإقامة مجتمع جديد في بلد آمن، ولذلك كانت الهجرة قبل فتح مكة، فرضا على كل مسلم قادر، ليسهم في بناء هذا الوطن الجديد، ومن هنا نرى أهمية التأريخ للإسلام بالهجرة ذلك الحدث العظيم.

أما مجتمع المدينة الجديد فقد كان يتألف من ثلاث فئات:

- فئة المسلمين المهاجرين الذين هاجروا مع الرسول صلى الله عليه و سلم والأنصار الذين آووا ونصروا.

- فئة المشركين الذين لم يؤمنوا بعد من قبائل المدينة

- فئة اليهود، وكان في المدينة منهم ثلاث قبائل: بنو قينقاع وبنو الضير وبنو قريضة.



كان المسلمون في المدينة قد سمعوا بخروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة ، فكانوا يغدون كل غداة إلى ظاهر المدينة ينتظرونه ، حتى إذا اشتد الحر عليهم عادوا إلى بيوتهم ، حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه انتظروه حتى لم يبق ظل يستظلون به فعادوا ، وقدم الرسول صلى الله عليه وسلم وقد دخلوا بيوتهم ، فبصر به يهودي فناداهم ، فخرجوا فاستقبلوه ، وكانت فرحتهم به غامرة ، فقد حملوا أسلحتهم وتقدموا نحو ظاهر الحرة فاستقبلوه .

وقد نزل الرسول صلى الله عليه وسلم في قباء في بني عمرو بن عوف أربع عشرة ليلة وأسس مسجد قباء .

ولما عزم رسول الله صلى عليه وسلم أن يدخل المدينة أرسل إلى زعماء بني النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم .

وقد سجلت رواية أن عدد الذين استقبلوه خمسمائة من الأنصار ، فأحاطوا بالرسول صلى الله عليه وسلم و بأبي بكر وهما راكبان ، ومضى الموكب داخل المدينة ، ( وقيل في المدينة : جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم ) . وقد صعد الرجال والنساء فوق البيوت ، وتفرق الغلمان في الطرق ينادون : يا محمد يا رسول الله , يا رسول الله .

قال الصحابي البراء بن عازب - وهو شاهد عيان - : " ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم "

أما تلك الروايات التي تفيد استقباله بنشيد ( طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ) فلم ترد بها رواية صحيحة .

وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتى نزل جانب دار أبي أيوب الأنصاري فتساءل : أي بيوت أهلنا أقرب ؟ فقال أبو أيوب : أنا يا نبي الله ، هذه داري وهذا بابي . فنزل في داره .

وقد ورد في كتب السيرة أن زعماء الأنصار تطلعوا إلى استضافة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فكلما مر بأحدهم دعاه للنزول عنده ، فكان يقول لهم : دعوا الناقة فإنها مأمورة فبركت على باب أبي أيوب ، وكان داره طابقين , قال أبو أيوب الأنصاري : " لما نزل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي نزل في السّفل وأنا و أم أيوب في العلو , فقلت له : يا نبي الله - بأبي أنت وأمي - إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك ، وتكون تحتي ، فاظهر أنت في العلو ، وننزل نحن فنكون في السفل . فقال : يا أبا أيوب : إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سفل البيت . قال : فلقد انكسر حبّ لنا فيه ماء , فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا مالنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوفاً أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء يؤذيه " .

وقد أفادت رواية ابن سعد أن مقامه صلى الله عليه وسلم بدار أبي أيوب سبعة أشهر .

وقد اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين ، وآثروهم على أنفسهم , فنالوا من الثناء العظيم الذي خلّد ذكرهم على مرّ الدهور وتتالي الأجيال ، إذ ذكر الله مأثرتهم في قرآن يتلوه الناس : { والذين تبوّأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فألئك هم المفلحون} ( الحشر9) .

وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنصار ثناء عظيماً فقال : ( لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار) و ( لو سلكت الأنصار وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم) .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حيث أدركته الصلاة ، ثم أمر ببناء المسجد في أرض كان فيها نخل لغلامين يتيمين من بني النجار .

وقد اشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام المسلمون بتسويتها وقطع نخيلها وصفوا الحجارة في قبلة المسجد ، وما أعظم سرورهم وهم يعملون في بنائه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل معهم وهم يرتجزون :

اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة

وقد بناه أولاً بالجريد ثم بناه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين ، وقد واجه المهاجرون من مكة صعوبة اختلاف المناخ ، فالمدينة بلدة زراعية ، تغطي أراضيها بساتين النخيل ، ونسبة الرطوبة في جوها أعلى من مكة ، وقد أصيب العديد من المهاجرين بالحمى منهم أبو بكر و بلال .

فأخبرت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( اللهم حبّب إلينا المدينة كحبّنا مكة أو أشدّ ، وصححها ، وبارك لنا في صاعها ومدّها ، وانقل حمّاها فاجعلها بالجحفة) . وقال : (اللهم امض لأصحابي هجرتهم ، ولا تردهم على أعقابهم ) .





مهمة الرسول صلى الله عليه و سلم في المدينة



وقد كانت مهمة الرسول صلى الله عليه و سلم في (المدينة) عسيرة جداً فكان اللازم عليه أن:

1 ـ يبلغ دين الإسلام كلاماً غير منقوص.

2 ـ وأن يجعل نظاماً للحياة يشمل جميع جوانبها.

3 ـ وأن ينظم دولة راسخة الأركان قويمة الأطراف.

4 ـ وأن يكوّن أمة مسلمة لها سماتها وميزاتها.

ولم تكن (المدينة) خالصة للرسول صلى الله عليه و سلم، يعمل ما يشاء بلا منازع ولا مناوئ.

أ ـ فمن ناحية كانت اليهود تلقى المشاغبات والفتن.

ب ـ ومن جهة كانت النصارى تناوئ الدعوة الجديدة.

ج ـ أما المشركون فكانوا يرون في الدين الجديد خطراً عليهم.

د ـ ومن ناحية رابعة كان المنافقون الذين تستروا بستار الإسلام خوفاً أو طمعاً، وكانوا يتربصون بالنبي الدوائر.

هـ ـ هذا مع الغض عن المخاوف التي كانت تساور المسلمين من دولتي (فارس) و (الروم).





وفي الاخير تغلب المهاجرون على المشكلات العديدة ، واستقروا في الأرض الجديدة مغلبين مصالح العقيدة ومتطلبات الدعوة ، بل صارت الهجرة واجبة على كل مسلم لنصرة النبي عليه الصلاة والسلام ومواساته بالنفس ، حتى كان فتح مكة فأوقفت الهجرة لأن سبب الهجرة ومشروعيتها نصرة الدين وخوف الفتنة من الكافرين . والحكم يدور مع علته ، ومقتضاه أن من قدر على عبادة الله في أي موضع اتفق لم تجب عليه الهجرة منه ، وإلا وجبت . ومن ثم قال الماوردي : إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر ، فقد صارت البلد به دار إسلام ، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها لما يترجى من دخول غيره في الإسلام .

تكوين نواة الأمة الإسلامية وأسسه



الأساس الأول: بناء المسجد


وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في تأسيس دولة الإسلام فبدأ ببناء مسجده الشريف في عاصمة الإسلام الأولى، شارك في بنائه بنفسه مع أصحابه، وفي مشاركة القائد أصحابه حافز لهم على العمل الجاد، كيف والذي يعمل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يتلقّى الوحي من ربه كل يوم، والسفير بينه وبين ربه جبريل عليه السلام؟ لذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يردّدون في سرور واعتزاز ونشاط:
لئن قعدنا والنبي يعملُ
======== لذاك منّا العمل المضلِّلُ
وكان المسجد – في مظهره – في غاية التواضع، فأعمدته من جذوع النخل، وسقفه من سَعَفه وجريده، وفرشه من الرمل والحصباء.
ولكنه كان مثابة لجبريل ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم فيه بالوحي، وكان محلاً لرفع كلمة التوحيد التي كان ينادي بها بلال خمس مرات في اليوم والليلة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم فيه أصحابه في الصلاة، ويقرئهم القرآن، ويعلمهم أحكام دينهم التي بدأت تتنزل من السماء ليطهرهم الله ويزكيهم، فيعود كل واحد منهم إلى منزله كل يوم بعلم جديد يتلقاه مباشرة من في رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من عمله فيعلمه أهله وجيرانه، والرسول صلى الله عليه وسلم يتلقاه من جبريل، وجبريل يتلقاه من ربه.
وكان المسجد مكاناً لاجتماع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمُدارسة القرآن الكريم والسنة النبوية وتطبيقهما.
كما كان مقراً للفتوى والسؤال عمّا يُشْكِل على الصحابة رضي الله عنهم، وكان منطلقاً لبعث الدعاة إلى الله، وساحة للتدريب على الفروسية، ومؤتمراً لمدارسة أمور الحرب والحراسة وبث السرايا وعقد الألوية للغزاة المجاهدين في سبيل الله.
وكان مأوى لمن لا منزل له من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينامون فيه ويتناولون طعامهم، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض فيه الأموال من المتصدقين بها على المحتاجين، وأموال الغنيمة والفيء، ويقسمها على الناس فيه.
هكذا كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجمعاً لكل أجهزة الدولة الإسلامية الجديدة، وكل ما يفعل فيه كان يعتبر عبادة يقصد بها وجه الله. الصلاة، والتعليم، والنوم، كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: (أما أنا فأنام وأقوم، وأرجو في نومتي ما أرجو في قَوْمَتي) [مسلم (3/1456)] هذا مع صغره وتواضعه في مواد البناء، حيث كان إذا نزل المطر تقاطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيه على الماء والطين. ولكنهم كانوا يتزكون فيه بالقرآن والسنة فتمتلئ قلوبهم إيماناً، ويحملون دعوة الله إلى خلقه بالتبليغ والموعظة أو بالسيف والحربة.
فأين مساجد المسلمين اليوم من ذلك المسجد؟ إن مساجد المسلمين التي أصبحوا يتباهون بتشييدها بأغلى مواد البناء، وبنقوشها وزخرفتها وفرشها وقناديل ضيائها ومراوحها ومكيفات هوائها؛ وشبابهم بل وبعض كهولهم لا يدخلها كثير منهم.
بل إنك لتجد في بعض بلدان المسلمين صفوفاً من البشر مصطفين في مساحة قد تصل ميلاً أو أكثر ينتظرون دخول دور السينما أو المسرح والمرقص، في الوقت الذي يقول فيه المؤذن حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح، وتجد كثيراً من الشباب في الملاعب الرياضية يتبارون كالحُمُر في أوقات الصلاة دون حياء أو خجل، وحولهم عشرات الآلاف بل مئاتها من المتفرجين تضرب لهم الطبول وهم يرقصون ويصفقون يتمايلون هاهنا وهاهنا كأنهم سكارى.
أين المسلمون اليوم في مساجدهم من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجده ذاك؟ إن المصلين في المساجد اليوم – في الأغلب الأعم – ذو أرواح خاوية، وقلوب قاسية، ومعاملات خائبة.
قال محمد الغزالي: (وتم محمد في حدود البساطة: فراشه الرمال، وسقفه الجريد، وأعمدته الجذوع، وربما أمطرت السماء فأوحلت أرضه، وقد تفلت الكلاب إليه فتغدوا وتروح.
هذا البناء المتواضع الساذج هو الذي ربّى ملائكة البشر ومؤدبي الجبابرة، وملوك الدار الآخرة، في هذا المسجد أذن الرحمن لنبي يؤم بالقرآن خيرة من آمن به، يتعهدهم بأدب السماء من غبش الفجر إلى غسق الليل. إن مكانة المسجد في المجتمع الإسلامي تجعله مصدر التوجيه الروحي والمادي، فهو ساحة للعبادة، ومدرسة للعلم، وندوة للأدب، وقد ارتبطت بفريضة الصلاة وصفوفها أخلاق وتقاليد هي لباب الإسلام، لكن الناس لمّا أعياهم بناء النفوس على الخلائق الجليلة استعاضوا عن ذلك ببناء المساجد السامقة تضم مصلِّين أقزاماً، أما الأسلاف الكبار فقد انصرفوا عن زخرفة المساجد وتشييدها إلى تزكية أنفسهم وتقويمها فكانوا أمثلة صحيحة للإسلام) [فقه السيرة ص: 190].
وبهذا تعلم أن المسجد النبوي كان مجمع الدولة الإسلامية الأول.
( للكاتب رسالة بعنوان دور المسجد في التربية، وقد طبعت أكثر من مرة )

الأساس الثاني: لتكوين الأمة: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

كانت الأنانية طاغية على العرب في جاهليتهم: القبيلة تترفع عن القبيلة، والبطن يفخر على مثيله، والأسرة تتكبّر على الأسرة، والفرد يتعالى على الفرد، وكان من حصاد هذه الأنانية ظلم القوي للضعيف واستئثاره عليه في كل شيء، ممّا سبَّب الإحن والعداوات والغارات والحروب الدائمة لأتفه الأسباب.
والأمة التي تصاب بالأنانية وما يتبعها أمة تافهة مهيضة الجناح خائرة القوى، تكون دائماً محلاً لمطامع الآخرين واستعبادهم لها.
فلما جاء الإسلام أحدث انقلاباً في نفوس المسلمين هو استسلام المسلم لربّه وطاعته لقيادته، وفي وحي الله وسنة رسوله ما يكفي لتواضع المؤمن وذلّته لله تعالى وحبه لإخوانه وإيثاره إياهم على نفسه.
وكان هذا المعنى ثابتاً في نفوس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي جعل أبا بكر رضي الله عنه يبذل ماله في شراء المسلمين الذين كانوا عبيداً لبعض المشركين الذين عذّبوهم وحاولوا صدّهم عن دينهم، ومن أولئك المسلمين بلال رضي الله عنه، وهو كذلك الذي جعل النفر الذي كانوا أول من لقيهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم من الخزرج، يقولون بعد أن استجابوا لدعوته: (إنّا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، فعسى أن يجمعهم الله بك … فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعزّ منك) [السيرة النبوية 429]، بل هو الذي جعل الأنصار يتسابقون إلى إيواء المهاجرين حتى كانوا يقترعون على المهاجرين.
ولكن مع ثبات هذا المعنى في نفوسهم أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعقمه بجعله بيعة وعقداً بين المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم وأهلهم في سبيل الله، والأنصار الذين آوَوْهم ونصروهم، فآخى صلى الله عليه وسلم بينهم اثنين اثنين، أي كان يجعل رجلاً من المهاجرين أخاً لآخر من الأنصار، وهو إخاء خاص غير الإخاء العام. الإخاء العام: كل مؤمن أخ لكل مؤمن، والإخاء الخاص: فلان أخ فلان، وفَرْقٌ بين الأمرين، فالإخاء العام لا يثمر ما يثمره الإخاء الخاص من الحب العميق.
والتواضع والإيثار إذ قام على القواعد الشرعية فإنه يجعل الأخ يؤثر أخاه فيما لا يطرأ على الخيال، فضلاً عن التفكير فيه، فضلاً عن العزم عليه وتنفيذه.
وإليك الدليل: في صحيح البخاري: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن ربيعة، فقال سعد لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالاً، فإني أقسّم مالي نصفين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمِّها لي أطلقها، فإذا انقضت عدّتها فتزوجها. قال عبد الرحمن بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟ فدلُّه على سوق بني قينقاع، فلما انقلب إلا ومعه فضل من أقطٍ وسمن، ثم تابع الغدوَّ، ثم جاء يوماً وبه أثر صفرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مهيم؟) قال: تزوجت [البخاري رقم 3780].
ولهذا امتن الله على المؤمنين بهذا الإخاء العظيم فقال: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألَّف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفى حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) [آل عمران: 103]
ومن المهاجرين والأنصار كوَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم القاعدة الصلبة التي قامت عليها دولة الإسلام في الجزيرة ثم في شرق الدنيا وغربها، وهم الذين قال الله فيهم: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والذين آوَوا ونصروا أُولئك بعضهم أولياء بعض) [الأنفال: 72].
وقال: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله، أولئك هم الصادقون، والذين تبوَّءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة ممّا أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم ولو كانوا بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) [الحشر: 8-9].
وقال تعالى فيهم: (محمد رسول الله، والذين آمنوا أشدّاء على الكفار رحماء بينهم، تراهم ركَّعاً سجَّداً، يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، سيماهم في وجوههم من أثر السجود، ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه، يعجب الزُرَّاع ليغيظَ بهم الكفار، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً) [الفتح: 29].
ومن هنا يعلم أنه لا بدّ للدعوة الإسلامية – حتى تنطلق في الأرض – من قاعدة حصينة تنطلق منها، وهي ما تسمَّى في اصطلاح الفقهاء: (دار الإسلام) ومن قائد قدوة يتصف بكل الأخلاق الفاضلة المبنية على الإيمان العميق، ومن جنود تسود بينهم الأُخوة والمحبة ويتحقق فيهم الاقتداء بقيادتهم، وهذا ما حصل للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المدينة، فتوطَّدت بذلك الجبهة الداخلية للدولة الإسلامية، وأمنت التصدّع والخلل الذي يستطيع أعداء الله التسلل منهما إلى صفوف المسلمين لصدعها وتفريقها.

الأساس الثالث: وضع ميثاق ينظم الأمة وتحمي وحدتها

أصبح المسلمون في المدينة هم أهل الحل والعقد، وهم الأجدر بقيادة الناس في المدينة وما حولها، لأنهم أهل الحق الرباني الذي كُلِّفوا تطبيقه في أنفسهم ودعوة الناس إليه. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنهم أصبحوا يملكون أزمّة الأمور في البلاد بنظام وطاعة تحت قيادة واحدة، بخلاف غيرهم من اليهود والمشركين، فقد كانوا يعيشون في فوضى وتطاحن فيما بينهم، وكذلك اليهود لم يكن في استطاعتهم جمع كلمة الناس، بل إنهم كانوا يؤججون بينهم نار الحرب ويبثون بينهم الضغائن، وكان همهم ابتزاز الأموال والسيطرة على الناس عن طريق نشر تلك الفوضى وذلك الحقد.
وكان المشركون من قريش يتربّصون بالمسلمين للقضاء عليهم قبل أن تتوطد دعائم قوتهم وإحكام سيطرتهم على قاعدتهم الجديدة، ولازالت الجزيرة العربية تدين بالشرك وعبادة الأوثان، وينظر سكانها إلى قريش نظر إكبار وإجلال، ويرون في الاقتداء بهم ما يؤهلهم للتقدم والظهور.
ولازال في المدينة نفسها مشركون، بل ظهر عنصر خبيث ماكر وهم المنافقون الذين أظهروا الإسلام خشية من أن تفوتهم بعض المصالح المادية، وهمم في واقع الأمر شر من المشركين.
كما كان بالمدينة يهود الذين كانوا يتوقعون أن يكون الرسول الجديد منهم، فلما بعث من غيرهم امتلأت قلوبهم غيظاً وحقداً، خاصة بعد أن سبقهم إلى الإيمان به الأُميون من أهل يثرب: الأوس والخزرج، الذين كان يهود يهدِّدونهم بأن نبياً سيبعث، فيتبعونه – أي اليهود – ويقتلونهم قتل عادٍ وإرم [تفسير ابن كثير (1/124)]، كما قال تعالى عنهم: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مُصدِّق لما معهم، وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين) [البقرة: 89].
وهكذا كان الشرك مطبقاً على الجزيرة العربية، وكانت قريش تتربص بالمسلمين الدوائر مع وجود المشركين والمنافقين واليهود في المدينة، وفي كل ذلك خطر على المسلمين القليلي العَدَد والعُدَد، ولا يستبعد اتصال قريش بمشركي المدينة ومنافقيها ويهودها أو العكس للتآمر على المسلمين والقضاء عليهم.
لذلك كان لابد من الإسراع إلى وضع ميثاق توضِّح فيه معالم وحدة الأمة الإسلامية، وصلة غيرها من مشركين ويهود بها، على أن تكون القيادة للأمة الإسلامية لا لأعداء الله من مشركين ويهود الذين لا يؤمن جانبهم، بخلاف المسلمين فإن الوفاء بالعهد عندهم من الدين الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
فقد جعل الميثاقُ المسلمين أمة واحدة، من أي جنس كانوا: -( هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم: إنهم أمة واحدة من دون الناس).
ولكنه أبقى ما كان معمولاً به في القبائل العربية من التكافل والعَقْل وفداء العاني: (يتعاقلون معاقلهم، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين).
ودعا الميثاق إلى إعانة من أثقله الدين وكثر عليه العيال: (وأن المؤمنين لا يتركون مَفْرحاً بينهم أن يعطوه بالمعروف والقسط بين المؤمنين). وألزم المؤمنين الوقوف صفاً واحداً ضد البغاة الظالمين الآثمين ولو كانوا من ألصق قراباتهم (وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم).
وقرر المساواة بين المؤمنين: (وأن ذمة الله واحدة يجير عليها أدناهم) وسدّ الباب على المشركين في المدينة على أن يتعاونوا مع مشركي قريش: (وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن) وقرر القصاص في القتلى حتى لا يتعدى أحد على أحد، وحتى لا تعود فوضى الغارات والعداوات والإحن التي كانت ضاربة أطنابها قبل الإسلام بين القبائل: (وأنه من اعتبط [أي قتل بدون حق] مؤمناً قتلاً عن بينه فإنه قَوَد به، إلا أن يرضى ولي المقتول، وإن المؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم إلا القيام عليه).
وألزمهم ملاحقة المجرمين وعدم إيوائهم حتى ينال كل خارج عن نظام الدولة الإسلامية جزاءه وليرتدع الناس عن الإجرام: (وإنه لا يحل لمؤمن أقرّ بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً ولا يؤويه، وأن من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل).
وقرر تبعية اليهود للأمة الإسلامية مع السماح لهم بالبقاء على دينهم، وألزمهم إعانة المسلمين بالمناصرة وبالإنفاق في الحرب، أما في حالة السلم فعلى كل فريق الإنفاق على نفسه: (وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وأن يهود … أمة مع المحاربين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ [أي يهلك، راجع النهاية لابن الأثير] إلا نفسه وأهل بيته … ).
(وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبرّ دون الإثم).
وقرر قاعدتي النصر والمسئولية، فلم يَبْقَ ذلك العمل الجائر من نصر القبيلة كلها لأي فرد منها سواء كان ظلماً أو مظلوماً كما قال الشاعر الجاهلي:
وهل أنا إلاّ مِنْ غزيِّة أن غوت
===== عويتُ وإن ترشد غزية أرشد
كما لم يبق ذلك الاعتداء على البريء بجريرة غيره، بل كل واحد
siham nana
siham nana

السيرة النبوية2 15751613
عدد المساهمات : 1214
نقاط : 2007
تاريخ التسجيل : 18/06/2012
العمر : 26

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

السيرة النبوية2 Empty رد: السيرة النبوية2

مُساهمة من طرف ندى جزائرية وافتخر الجمعة يناير 04, 2013 6:13 pm

ننتظر المزيد منك غااليتي
مشكوورة
ندى جزائرية وافتخر
ندى جزائرية وافتخر

السيرة النبوية2 Ldc55110
عدد المساهمات : 1195
نقاط : 2078
تاريخ التسجيل : 20/04/2012
العمر : 29

http://www.ritadj-alk3eba.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى